الجمعة، 6 أغسطس 2010

أبكم متكلم

اعتدت بشكل يومي الذهاب إلى -دكان الحارة - لشراء الآيس كريم والبطاطس والعصير . وكم كنت أسعد عند الحصول على هدية مجانية مع كل آيس كريم بمجرد أن ألمح الكتابات التي هي باللون البني بعد أن اتناول جزءا من الآيس كريم وأعود لل-دكان- للحصول على آيس كريم آخر مجاني ياله من عرض مغري بالنسبة لطفلة فتحت للتو عيناها المليئة بالفضول للعالم الكبير والمخيف والغامض والمليء بالمفاجآت التي لن ترحمها يوما . كنت طفلة ولكن عقلي كان قد بدأ  ينضج بطريقة ما . نتاج ما اسمعه من معقول ومنطقي وسط بيئة دينية عقلانية ووسط خزعبلات من هنا وهناك استطعت أن أفرق بين -الصح والخطأ - نوعا ما . في يوم ماطر اتجهت انا ووالدي للسوبر ماركت لشراء الحليب والخبز . نزلت ومشيت وأنا أفكر فالتعليمات التي أعطانيها أبي بحذر شديد .( الحليب والخبز الأسمر ) كنت حذرة وأنا أنتقي الحليب والخبز بحذر خوفا من أن يقال لي عودي ثانية فهذا ليس ما طلبناه ! وأنا في وسط معمعة الإختيار رأيت شابا يكبرني بسنين كثيرة واضعا عود الأسنان في فمه وقد فك زر فتحته العنق ليترك خيطا أبيضا طويلا يتدلى وسط صدره وقد ظهرت الفانلة البيضاء التي كان يرتديها وبدا شعر رأسه مرهقا مثله من عياء الدراسة فملامح الطالب المتعلم بدت ظاهرة عليه هو ومن معه ومن وراءه رأيت آخرا قد دخل لتوه . شدتني بشرته السوداء الداكنة السواد كانت بشرته تلمع من صفاءها وجمالها وبعينين جاحضتان نظر للجميع وكان يرتدي دشداشة بلون بني فاتح وكمة عمانية نظيفة ومرتبة بغاية العناية . وبدأ يشير للجميع إلى لسانه. أي أنه كان أبكما فأشفقت عليه وكنت حينها أعي تماما ماذا يعني أن تساعد أحدهم . كان يعني بالنسبة إلي أنك تنقذ أحدهم من مأساته وأنك نبيل . فاتجهت إليه وأعطيته ماكان في يدي من مبلغ فنظرت لمن كانو معي وقد ركزت نظري على صاحب عود الأسنان وقلت له ( حرام ساعدوه مسكين ) فقال لي مشيرا إلى جيبه ( والله هذا كل اللي عندي لنفسي عشان أتعشى ماعندي شي ثاني) فأشفقت عليه على الرغم من أنني حينها لم أكن أعي تماما ما يعانيه الطلبة الجامعيون من معاناة ونقص فالمال ومن مشقة وسط عالم السكنات والدراسة . بعيدا عن ذويهم وعن كل شيء . فخرج صاحب الدشداشة البنية جارا خلفه ذيول الخيبة والألم . إلا من بيسات بسيطة أعطته طفلة علها لن تنقذه من مأساته . عدت للسيارة وأنا خائفة ولم أبتع سوى الخبز .فسُئلت . أين الحليب؟ فأجبت برأس ينظر للقدمين : ماشتريته!!! لم وكيف وماذا فعلتي بالمبلغ؟ أسئلة لم ترحم ضعف حالي ولا سني . فقلت لهم ما حصل . فابتسمت أمي بإبتسامة لم أعرف سرها ولا تفسيرها ولا أتذكر ما حصل بعدها غير أنني في اليوم التالي ذهبت عصرا ل-دكان الحارة - وابتعت الآيس كريم  ومن شدة فرحتي بالعرض المجاني ذهبت راكضة وعائدة لل-دكان- وفوجئت به . صاحب الدشداشة البنية هو وليس غيره بلحمه ودمه وعظمه يكلم رجلا هنديا بكل حماس ويشرح له شيئا . برقت بشرته الداكنة منذ ميل ولاحظتها وعرفته لم أستطع أن أخطئه فقد رأيته بالأمس كيف لي أن أنسه . أو أخلط بين شكله وشكل أي أحد؟ لن أنسه ما حييت . لقد كذب علي ونصب علي وقد كان محتالا بالعماني( حرامي) كيف به أن يجرؤ؟ توجهت إليه وأنا خائفة ومرتعدة وأكاد لا أستطيع أن أقف على رجلي من الخوف الشديد وقلت له على عجال . إنت كذاب والله بيعاقبك . وعدت راكضة إلى البيت وأنا خائفة من أن يتبعني وتركته ورائي بوجه حائر ومصدوم لأنه ربما لم يعرفني . لكنه بالتأكيد سيعرف الله سبحانه وتعالى في يوم لا يستطيع أحد أن يخطئ الله ولا أن ينكر وجود الله .

صاحب عود الاسنان : من الجيد أنك لم تساعد محتالا
صاحب البشرة الداكنة: سامحك الله وهداك
لكل قارئ: احذر النصب والإحتيال

هناك تعليقان (2):

  1. النصب والاحتيال من قبل نفوس صغيره ،، كثر هذه الايام ، حيث اننا بتنا لا نعلم من هو المحتاج الحقيقي ،،،
    حفظناا الله ،،

    باارك الله فيــك أختي ،،

    ردحذف
  2. لا عليك أختاه فالشئ الذي انفقته لذلك الشخص من مال بسيط لم يكن الا لله .

    هكذا دائما ما اقول لا اعمل عملا أو أنفق شيئا الا لله .. فكلمة الاحتيال والنصب لا توجد في قاموس اصحاب القلوب الطيبة

    ردحذف